jeudi 26 janvier 2012




                  معانات الفنانين الاحرار ,في مغرب اليوم     

 

يحملون لقب مشاهير، لكن سرعان ما تنمحي أسماؤهم من الذاكرة وهم أحياء يرزقون، خذلتهم الأقدار حين اعتقدوا أنهم سيكتبون أسماءهم على صفحات خالدة، تمتعهم بحظوة استثنائية، ليعيشوا بحبوحة العيش، لكن أسماءهم تدحرجت لتصبح في خبر كان ومنهم من أنمحو من ذاكرة الشعب ,بحكم التغييب والتعتيم الإعلامي,والإقصاء ألقصري المقصود,  ليصبحون مجرد أوراق على صحف جرائد ,قصد رفع من عدد المبيعات اليومية,وأصبحوا جزءا من خبر كان في عالم النسيان، ليجدوا من بقي منهم أنهم ضحايا إقصاء ,مقصود ليرما بهم في دائرة مغلقة، يتقلص حجمها بمرور السنين، وتكاثر المسؤوليات اعتقدوا أنه يعملون من اجل تنوير الفكر ورفع العلم الوطني خفاقا,وأنهم جزء من الذاكرة الوطنية، ليجدوا أنفسهم مفتقرين لأبسط شروط العيش الكريم، وراحة البال
الشهرة، والأضواء، والحياة المخملية المرفهة وسحر البساط الأحمر.لم يفده في شيء ولم يشفع لهم عند المسئولين,بل تحولت الشهرة إلى نقمة بحكم أن أغليبة المسئولين الكبار في الدول العربية لا يريدون أن يكون احد أكثر شعبية منهم في البلاد ,هكذا يتيه  المشاهد المغربي حين يتعلق الأمر بأسماء نقشت في ذاكرته من خلال صفحات الشاشات المتحركة سواء كانت في إطارها التلفزي، أو السينمائي، لكن القاعدة غير خاضعة للتعميم حين يتدخل منطق الجغرافيا، وتصبح الرفاهية في عالم الفن حكرا على العالم الآخر، حين تسلبك نجوم هوليود الرغبة في مغادرة مكانك، وبنفس الحب والتطلع الى المعرفة يحاول البعض تتبع حياتهم الخاصة الحافلة بالإبهار واللامعقول.
الشهرة والشوهة في المغرب ” وجهان لعملة واحدة

الشهرة في المغرب مرادف للشوهة» يقول الفنان مصطفى تاه تاه، الذي يعيشه العزلة والإقصاء، ومرحلة الانتظار اللامتناهي,للعمل بكرامة وشرف, لم يتردد الرجل منذ البداية بوضع يده على الجرح دون مقدمات، أو عبارات ملطفة، « لا أنكر أنني ندمت على اشتغالي في الميدان، لأن البداية لم تكن بهذا الشكل، ولم أكن لأكترث كثيرا في مرحلة السبعينات، لأن الحمل كان أخف. وقتها كنت عازبا ولم تكن لدي مسؤوليات كبيرة…اليوم ثقل الحمل، وكثرت متطلبات أسرتي»، هذا الفنان المبدع الذي  بداخله الروح المرهفة للمبدع الباحث عن الفرجة. مسترسلا «نعم نحن مشهورون، والناس يعرفوننا، لكن الشهرة الحقيقية تفرض عليك ظروفا معينة، ومستوى عيش معين، أما أنك مشهور وبالكاد تستطيع تناول “البيصارة”، فإنك في هذه الحالة تثير شفقة الناس، وتجلب تعاطفهم… » يقول الفنان تاه تاه الذي لا يتواني بين الفينة والأخرى من استحضار بعض ذكريات الزمن الجميل،  رغم كل الظروف القاسية التي يشير أنها غير معممة على الجميع، حيث توجد بعض الاستثناءات لفنانين يعيشون حياة الأثرياء، وبعضا من مظاهر”البذخ”، مقارنة مع الفئة المسحوقة، مفارقة عجيبة وقاسية ,سؤال يستحق أن نطرحه على بعض الفنانين المتطفلين على الميدان, يقول الرجل الذي رأى أن كل الغلة أصبحت حكرا على المتطفلين، الذين لم يتوانى عن وصف بعضهم بأنهم مجرد وجوه تمت لملمتها من المقاهي، لا علاقة لها بالمجال الفني دراسة، وأداءا. أمر اعتبره تاهتاه بمثابة الإقصاء الذي يمحي وجوها لها تاريخ واسم، مقابل إفساح المجال لأسماء بدون موهبة ولا حتى تكوين,ولا تربطهم بالفن الا حب الضهور على الشاشة لامر ما في نفس يعقوي على حساب القضية ,الهوية والانتماء.
نحن في الحقيقة كفنانين ننتـظر مجيء الدور دون أن يكون لنا الحق في إبداء آرائنا حول الدور الذي سنلعبه، لأن مناقشة بعض الذين يطلقون على أنفسهم فجأة لقب مخرجين، وكتاب سيناريو، ويظهرون فجأة كالفطر، يلحق اسمك باللائحة السوداء للممثلين المستبعدين,ويضيف مصطفى تاه تاه  مشيرا أن بعض المخرجين يضعون حدا بينهم وبين الفنان من خلال أسلوب التعريض الذي يحاول اعتماد منطق المن والصدقة في التعامل مع الجيل الأول، حيث تكون الأدوار ثانوية مع التهديد بإمكانية التخلي عن الممثل في حالة الاعتراض على بعض الجزئيات، «كيجيبوك باش ماتبقاش في الظل، هاذي ولات صدقة مبقاتش مهنة، حيت الفن عمرو ما كان بحال هاكدا ». ولأن الفن لم يكن يوما بهذا الشكل، لا يمانع الرجل في البحث عما يناسبه، وإن اضطره الأمر للمزيد من الصبر على المستوى المادي، بحثا عن معاملة تليق بمكانة الفنان التي رسمها الرجل في مخيلته عندما قرر يوما خوض غمار هذا المجال، دون أن يتخيل أن يأتي اليوم الذي يناقش مع المخرج بعض الجزئيات الصادمة التي تفسر سبب ما آل له المجال الفني، «واش ممكن تصور أن المخرج عوض ما يتناقش معاك على الدور، والسيناريو، كيسولك واش عندك ما تلبس »، سؤال صادم يختزل واقع الصفة الفضفاضة لكلمة “المشاهير”، الذين يعيشون واقعا، « و وضعية تدفع الكثيرين للبكاء على حال الممثل الذي يتألم حين يرى نظرة التعاطف في عيون الجمهور الذي لا تخفى عليه حقيقة الفنان الذي يعتلي المسرح من أجل إضحاكه، بينما يبكي في دواخله من معاناة الحاجة، أو واقع السقوط من الذاكرة والدخول في دائرة النسيان…

أين الراحل عائد موهوب، أين زهور المعمري التي تصارع المرض في صمت »، يتساءل تاه تاه دون أن تنسيه قسوة الظروف تذكر أسماء طواها التجاهل والامبالاة من طرف الجمهور، وأهل الميدان على حد سواء.
لم يتأخر كثيرا ليتساءل عن جدوى ما اعتبره البعض “إنجازا” ممثلا في بطاقة الممثل، «بالنسبة لي هي مجرد ورقة لا تسمن ولا تغني من جوع… ما فائدتها؟ هل ستمكنني من ولوج مرافق، فنادق، مستشفيات »، يقول الرجل وهو يعلن أنه متمسك بمغرب التغيير رغم سوداوية الواقع خلال حديثه لم يفوت الفنان مصطفى تاه تاه التعبير عن رغبته في إيصال صوته باعتباره مواطنا، قبل أن يكون فنانا، وكأن الرجل نحت قناعة مفادها أن صوت الفنان يضل مساره للوصول إلى الجهة المعنية، ليختصر الطريق، ويلغي منطق التراتبية العقيم، متوجها لمن يعتقد أن الحل بيدهم، « أملنا في الله، ومصيرنا بيد صاحب الجلالة الذي يرعى المهمشين، ففي كل الحالات نحن مجرد قلة قليلة ولا أعتقد أن حالتنا ستقف سدا مانعا من أجل إيجاد طريقة لتسوية وضعيتنا…ليتهم يلجؤون لتسوية أوضاعنا على غرار الموظفين الأشباح الذين تغص بهم الجماعات»، يقترح الفنان الذي أعياه الانتظار، وربط مصيره المادي بدور تجود به الأقدار، دون مراعاة للمقاييس الفنية التي تهتز وتربو فوق أرضية خصبة بالجمال، « ماشي بيئة كتفوح منها الروائح الكريهة، والظروف القاسية، حيت أنا إلى بغيت نكتب ونبدع، خصني نعيش حياة كريمة، تنعكس على أدائي، أما الظروف القاسية التي تحيط بنا، تدفعنا نحو إفراغ المعاناة,اكيد اخي العزيز مصطفى تاه تاه الإبداع بحاجة إلى راحة البال ,لان تقسيم العقل بين الواجب,الظروف المعيشية ,الظروف العملية خلال التصوير,العقد المبرم بينك وبين المنتج والذي لا يعطيك أي حق الا ما اراد هو ,بشروطه و.... كيف تبدع وأنت محاط بقيود في كل مكان ,ولا تتوفر لديك حتى أرضية صالح للإبداع خلال التصوير نفسه وفي يومه ,من مشرب ومأكل و... يجب أن تسند الأمور إلى أهلها, والحال الذي نحن عليه هي الساعة التي كانوا يقولون عنها فانتظر الساعة ها نحن فيها .

                                                                                     “صافي ! بنادم يكبر يتلاح؟ ”




معاناة أخرى يرسم ملامحها هذه المرة وجه نسائي. لم يكن الاختلاف كبيرا في الروايات، ولم تغير تاء التأنيث في الواقع شيئا، بل كانت الأمور أكثر وضوحا « أولا أنا لا أعرف شيئا بخصوص قانون الممثل، ثانيا لم يسبق لأحد أن اتصل بي بخصوص هذا الموضوع…تم آشنو غادي يدير لينا أصلا»، تقول الممثلة عائشة ماه ماه، التي تؤكد أن الشيء الوحيد الذي تحاول الاستفادة منه بعد مشوار فني طويل، هو التغطية الصحية التي انخرطت بها مطلع سنة 2011، دون أن تتمكن من الاستفادة منها لحد الساعة. تؤكد ماه ماه أن الوضع داخل الساحة الفنية يشهد نوعا من التراتب، «بعض الفنانة بخير وعلى خير، والبعض متوسط، والبعض مسحوق» وترجع عائشة هذا التباين لشركات الانتاج التي تتحكم في الوضع، وتفضل التعامل مع الوجوه الجديدة بدل القديمة ذات التاريخ الطويل في الميدان، مخافة أن يستغل الممثل تاريخه ويطالب بأجر أعلى.
أجر يأبى أن يستقر بيد أهل الفن، قبل أن يدخلوا في عمليات انتظار قد تستغرق أشهرا، وهو في كل الأحوال أجر متدني وفق ما جاء على لسان الممثلة ماه ماه التي لم يفتها الترحم على الأمس حين كان الممثل يحصل على أجره مباشرة بعد انتهاء العمل دون تماطل، «كما كنا نسعد في الماضي حين يعرض علينا دور سينمائي لأن هذا كان يعني مدخولا أكبر، مما يعني إمكانية ادخار المبلغ أثناء شح العمل، أما اليوم فالأجر متساوي بين السينما، والتلفزة ». وبانتظار مجيء الأجر لا تخفى ماه ماه أنها لم تشتغل لمدة سنتين ونصف السنة، وقد كان سندها الوحيد خلال هذا التوقف بعض مداخيل التكريم، «لولاها لما تمكنت من تدبير نفسي».
تدبير ذاتي، يقابله تجاهل ونسيان، وغياب المعاملة اللائقة، «حيث نجد أن المعدات، والكاميرات، والآلات أكثر أهمية من الممثل» تقول عائشة ماه ماه التي ترى أن الممثل يتحمل العبء الأكبر في العملية الفنية، حيث يصبح ملكا للكاميرا بمجرد قبوله للدور، على عكس باقي موظفي المجال الفني « فالتقني مثلا يقدر يمشي الأسبوع الأول إذا مخداش الأجر ديالو، أما الممثل كيولي جزء من العمل، حيث يتحمل مصاريف الاكسسوارات، والنقل، وميقدرش ينساحب مهما كانت الظروف»
تبلغ الظروف قسوتها، حين يكون الممثل بلا سند، ليواجه أواخر أيامه تحت وطأة الخوف من الغد، بعد حرمانه مما يعتقد أنها أولويات غير قابلة للنقاش، «أنا محرومة من حقي في السكن الاقتصادي، حيت البنك مكيتعاملش مع اللي عمرهم فوق الخمسين..صافي ! بنادم كبر يتلاح؟ الانسان مني كيكبر كيبغي يتشرف. حنا عطينا للناس بزاف، ضحكناهم، متلنا معاناتهم، مشاكلهم، وكنا صوت ليهم.» تقول عائشة ماه ماه وهي تنتظر أن يترجم صدى ذلك الصوت إلى التفاتة رد اعتبار، دون أن تنسى استعراض معاناة بعض زملائها الذين يعيشون معاناة حقيقية، يطرح معها التساؤل حول جدوى الحديث عن الشهرة، ومكانة الممثل داخل المغرب، « كنعرف فنانين معندهومش 1500 درهم باش يكريو، البعض ساكن مع عائلتو، ومنهم اللي كيعول على الزوجة ديالو الموظفة، والبعض كيعيش على المساعدات ديال الأبناء ديالو، ومساعدات الأهل والأصدقاء،  على عكس الممثل الموظف اللي معندوش هاد المشاكل,دكشي علاش كيخدم بجدريال .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire